اللغة العربية في مصر قبل الإسلام

اللغة العربية في مصر قبل الإسلام

لم تكن اللغة العربية غريبة على مصر حين جاء الإسلام إليها، فقد كان لها هناك تاريخ طويل يمتد عدَّة قرون قبل ظهور الإسلام، وربما قبل ظهور المسيحية أيضًا، حين كانت وفود القبائل العربية تقصد مصر إما للتجارة أو للاستقرار.

فمن ناحية التجارة، أشار المؤرخون إلى أنه كانت هناك خطوط تجارية برية وبحرية تصل بين مصر والجزيرة العربية. وتفيد المصادر اليونانية واللاتينية[1] وغيرها أن مدينة غزة كانت في ذلك الوقت ميناء تجاريًّا هامًا، ومركزًا يلتقي فيه التجار ورجال الأعمال لعقد الصفقات التجارية. وكان التجار العرب يقدمون إليه لبيع ما عندهم من حاصلات اليمن وجنوب الجزيرة العربية وشراء ما يلزمهم مما يرد على هذه المدينة من البحر من حاصلات اليونان وإيطالية ومصر وغيرها. وتشير إحدى الوثائق[2] التي يرجع تاريخها إلى عام 263 ق. م إلى وجود علاقات تجارية بين المصريين والعرب في تلك الفترة النائية. ومن الثابت كذلك أن عمرو بن العاص زار مصر قبل الفتح الإسلامي بوصفه تاجرًا، وذهب إلى الدلتا ومن بعدها إلى الإسكندرية[3]، وأن خبرته بالبلاد المصرية هي التي جعلته يفكر في فتحها ويغري الخليفة بذلك، وهي التي سهلت له عملية الفتح.

 وأمَّا بالنسبة للهجرات العربية بقصد الاستقرار، فقد كانت هناك كثير من الموجات دفعت بها بلاد العرب إلى مصر في العصور الفرعونية.

هجرة قبائل كهلانية من عرب الجنوب ذات أصل قحطاني استقرت في الجزء الشمالي الشرقي من مصر، وقد تم ذلك مع مطلع المسيحية[4].

2 – هجرة قبائل من "طيء" (فرع كهلاني آخر من المجموعة الجنوبية) كان من أهمها قبيلتا لخم وجذام اللتان استقرتا في إقليم الشرقية[5].

3 – قبيلة "بل" التي دخلت مصر قبل الإسلام واستوطنت ما بين القُصَيْر وقِنا. وكان عليهم الاعتماد في نقل التجارة الهندية. وقد قدِم وفد منهم إلى الرسول وأسلموا[6].

4 – هجرة بطون من خزاعة، وهم فرع من الأزد خرجوا في الجاهلية إلى مصر والشام لأن بلادهم أجدبت.

5 – استقرار بعض الجماعات العربية قبل الإسلام في شرق الدلتا.

6 – وقد أشار المؤرخون اليونان بما فيهم استرابو ( 66 ق . م ) وبلينيوس ( 70 م ) إلى أن عدد العرب في عهدهم قد تضاعف على الضفة الغربية من البحر الأحمر حتى شغلوا كل المنطقة بينه وبين نهر النيل في أعلى الصعيد. وكان لهم جمال ينقلون عليها التجارة والناس بين البحر الأحمر والنيل[7].
وقد وصف استرابو كذلك مدينة قِفْط (Koptos) بأنها مدينة واقعة تحت حكم العرب[8]، وصرح بأن نصف سكاها يتكونون من أولئك العرب[9].

7 – ذكر هيرودوت[10] أن الأقسام الشرقية من مصر بين سواحل البحر الأحمر ونهر اليل كانت مأهولة بقبائل عربية.

8 – في عهد عمر بن الخطاب – بعد فتح الشام وقبل فتح مصر – هاجرت بعض القبائل من غسان ولخم وجذام وعاملة – التي كانت تدين بالمسيحية – إلى مصر، واستقرت هناك في الجزء الشمالي الغربي من "سيناء". وقد منحهم الإمبراطور الروماني حينذاك إقطاعية "تنيس" (صان الحجر)[11] وقد قابلت النجدة التي أرسلها عمر بن الخطاب عبر وسط سيناء لمساعدة عمرو جمعًا هائلا يبلغ نحو ثلاثة آلاف، وحين سألوهم عرفوا أنهم من عرب غسان ولخم وعاملة[12].

وبالإضافة إلى هذا فإن الوثيقة السابق الإشارة إليها، والتي يرجع تاريخها إلى عام 263 ق . م تفيدنا أنه كانت توجد في ذلك الوقت المبكر جالية عربية كبيرة مكونة من القبائل في مصر.

وإنه لمن الأهمية بمكان أن نذكر هنا أن لغة هذه الوثيقة تبدو قوية الصلة باللغة العربية، مما يدل على أن هؤلاء العرب كانوا يكوّنون جزيرة لغوية في مصر، وأن هذه الجالية ظلت مخلصة لقوميتها محتفظة بأبجديتها تكتب بها وتعتز بتراثها. والوثيقة قصيرة، ولكنها ذات أهمية كبيرة لأنها تحدثت عن وجود العرب الجنوبيين بمصر في ذلك العهد السحيق، وعن وجود علاقات تجارية ربطت بين مصر وجزيرة العرب من البر والبحر. وهي تتحدث أيضًا عن رجل اسمه "زيد بن زيد ايل" اعترف بوجود دَيْن عليه وواجب هو توريد وتزويد بيوت آلهة مصر بالمُرِّ وقصب الطيب.

ومن الكلمات التي وردت في هذه الوثيقة، والتي يمكن بسهولة ردها إلى أصل عربي أو ساميٍّ الكلمات "دَيْن" التي استعملت في نفس معناها العربي، و"نفقس" التي تعني ثروته أو نفقته من الأصل الثلاثي "نفق"، و"محرمهى" التي تعني الحرم، و"رثد" التي تعني رصد أو خصص.

وعلى أي حال فمن الطبيعي أن يكون قد نشب نوع من الاحتكاك في ذلك الوقت بين اللغتين العربية الجنوبیة والعربیة المصرية، وأن تكون قد حدث بينهما قدر ما من التبادل. ويبدو أن آثار كلتا اللغتين على الأخرى كانت قوية لدرجة أنها خلقت تشابها أو تقاربا بين اللغتين، أو بين المجموعتين السامية والحامية[13] (من المجموعة السامية اللغة العربية ومن المجموعة الحامية اللغة المصرية القديمة).

ولكن الحقيقة أن هذا التشابه سببه ما حدث من اختلاط بين الساميين والمصريين في العصور السحيقة لأنها کانت من نفس الأسرة.

وممن حاول اكتشاف العلاقة بين اللغات السامية والحامية المستشرق المشهور أوليرى (دي لاسى) الذي كتب بحثًا حاول فيه أن يبين أوجه الشبه بين اللغتين[14].

وقد كان تشابه اللغة المصرية مع اللغة العربية كبيرًا من ناحية المفردات. فهناك كلمات مصرية كثيرة مشابهة لکلمات في اللغة العربية. من هذه الكلمات ألفاظ نحو "قبس" التي وردت في القرآن الكريم، و"صداع"، و"مشط" التي وردت في الحديث النبوي: "الناس سواسية كأسنان المشط"، وكلمة "برْدي" التي وردت في شعر الأعشى.
أو مثلاً:
في قوله تعالى: ﴿ وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ ﴾
مناص :و تعني الفرار في المصریة

وفي قوله تعالى: ﴿ بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ ﴾ 
مزجاة : و تعني قلیلة في المصریة

في قوله تعالى: ﴿ فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا ﴾ 
تحت : البطن في المصریة (تحت الصدر)

وهذه بعض الکلمات القبطیة و معانیها
طقس = طقس
واد = ولد
ادیني = اعطیني
موؤو = ماء
برج = برج(العمارة الطویلة)
نروس = عروس
تابوت = تابوت
کحا = الکحة
حونفا = حنفیة (صنبور)
مشطن = مشط
سمسم = سمسم
سیبد = زبد
ده = هذا
امبیا = انبیاء
أوتن = وطن
فل = فول
أوي = قوي
مأهور = الحزین(المقهور)
موت = موت
اصبع = اصبع
آمون = آمین
محب = 
محب أو مخلص
کرسو = کرسي
مرت = امرأة
عیش = العیش(خبز)
سون = سوق

وخلاصة القول أن اللغة العربية كانت تتكلم في مصر في فترة ما قبل الإسلام بين أبناء الجاليات العربية وعلى ألسنة التجار العرب وأن تبادلًا حدث بين اللغتين المصرية والعربية، أدى إلى ترك آثار من كلا الجانبين على الآخر ولكن دون أن يفقد أي منهما شخصيته.

المصدر:

كتاب: تاريخ اللغة العربية في مصر

[1] تاريخ العرب قبل الإسلام، تأليف جواد علي 8 / 132.

[2] المرجع السابق 8 / 67 و 68.

[3] الكندي: الولاة ص 6 – 7 ، طبعة بيروت 1908 ، وانظر تاريخ مصر الإسلامية للشيال ص 5 وما بعدها.

[4] عباس عمار: The people of Sharqiya.( القاهرة 1944 ) 1 / 21.

[5] المرجع السابق 1 / 23.

[6] المرجع السابق 1 / 24.

[7] انظر: البيان والإعراب ص 89.

[8] انظر: دائرة المعارف الإسلامية مادة (Kibt) ص991 (طبعة أولى). والبيان والإعراب، للمقريزي 89.

[9] عروبة مصر من قبائلها، للأستاذ مصطفى كامل الشريف ص 22. (الطبعة العالمية سنة 1965)، ومصر العربية الإسلامية، للدكتور علي حسن الخربوطلي ص 15.

[10] جواد علي: تاريخ العرب قبل الإسلام 7 / 25 و 26.

[11] المقريزي: البيان والإعراب ص 90 – 91 ( طبعة القاهرة 1961).

[12] عروبة مصر من قبائلها ص 23.

[13] انظر:

Frach Jehangier Sorabji : Elements of th Science of Language, Calcutta, 1932.

[14] انظر: مقدمة كتاب Characteristice of the Hamitic Languages.

[15] المتوكلي فيما ورد في القرآن باللغة الحبشية والفارسية .... ص 12.

 

 

 و هذه کلمة للدکتور "مصطفی الفقي" حول عروبة مصر

 

ولقد لاحظنا أن الجزائريين البواسل حاربوا الاستعمار الفرنسي تحت مظلة الإسلام في وقت لم تكن الغالبية لديها تتحدث اللغة العربية(بفعل الاستعمار)، بل كانت الثقافة الفرنسيَّة عاملاً مشتركاً بين الشعب الجزائري وسلطات الاحتلال الفرنسي، كما أن عروبة الشوام تبدو متأصّلة وقويَّة، حتى إن مسيحيي الشام يعتبرون أنفسهم أكثر عروبة من غيرهم، إذ إن "الغساسنة" و"المناذرة" كانوا أقواماً عربية سكنت مواقعها على تخوم الشام والعراق و هي صاحبة الأرض قبل ظهور الإسلام ، ولذلك كان طبيعياً أن يحمل أبناء سوريا الكبرى لواء الدعوة القومية، وأن يرفعوا أعلام العروبة قبل غيرهم.

ولعلنا نلاحظ أن كثيراً من قيادات القوميَّة العربيَّة في الشام والمهجر جاؤوا من عناصر غير مسلمة أحياناً، ذلك لأن الدين لم يكن هو جوهر القوميَّة، فكانت الثقافة العربيَّة هي المحور الذي ارتكزت عليه دعاوى القومية، بل إن قيادات الأحزاب العروبيَّة في الشام الكبير وحركة المقاومة الفلسطينية جاؤوا في معظمها من عناصر مسيحيَّة، ولعلنا نتذكَّر الآن أسماء مثل "ميشيل عفلق" و"جورج حبش" و"نايف حواتمة" وغيرهم من القيادات العربية غير المسلمة، وهي التي أكثر تشدداً من غيرها في رفع لواء القوميَّة العربيَّة، والتمسُّك بثوابت القضية الفلسطينية.

إن ما أريد أن أصل إليه من هذا الحديث الذي أكتبه اليوم هو أن أسجَّل ثلاث ملاحظات:

أولاً: أن العروبةَ ثقافةٌ أكثر منها أي عامل آخر، ولذلك فنحن نعتز بالتعريف الذي يقول إن العربي هو كل من كانت لغته الأولى هي العربية دون النظر إلى الأعراق البشريَّة أو الأصول الحضاريَّة، فالكل انصهر في بوتقة العروبة مع احترامنا وحفاوتنا بالقوميات التي سبقت وترسَّخت وتركت بصماتها القويَّة على شعوب المنطقة.

ثانياً: أن عروبة مصر ليست رداءً يرتديه المصريون حين يشاؤون، ويخلعونه حين يريدون، بل هي مكونٌ راسخٌ في ضمير كل من يؤمن بمصريته، لأنها لا تتعارض مع عروبته، فالانتماء إلى الكيان الأكبر لا يمس الانتماء إلى كيان أصغر.

ثالثاً: أن الإسلامَ يلعب دور العامل المشترك بين معظم الدول العربية، لكنه لا ينهض وحده لكي يكون العامل الأساسي، إذ إنه ليس كل العرب مسلمين، كما أنه ليس كل المسلمين عرباً أيضاً. لكن المعيار الثقافي هو الأكثر رسوخاً، لأنه يعتمد على اللغة المشتركة، وهي التي تحدد منصات التفكير والتعبير والقدرة على اتخاذ القرار.

إن العروبة كما وصفها الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر هي قدرٌ ومصيرٌ وحياةٌ، وأنا ممن يظنون أن العروبة هي خلاصةٌ لقوميات سبقت وحضارات قامت وتيارات فكريَّة عبرت على المنطقة، وتركت في النهاية سبيكةً واحدةً نطلق عليها "السبيكة العربيَّة"، التي ننتمي إليها، وندافع عنها رغم كل الإحباطات والإخفاقات والتحديات.
 

انقر هنا لتحميل كتاب ((اللغة الفرعونیة بعیون مصریة))
هدية من الدكتور أسامة السعداوي

 egyptology.tutatuta.com/Books/Egyptian-Eyes-2.pdf

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 



:: موضوعات مرتبط: افریقیا , ,
:: برچسب‌ها: مصر , لغة مصر قبل الاسلام ,
|
امتیاز مطلب : 0
|
تعداد امتیازدهندگان : 0
|
مجموع امتیاز : 0
نویسنده : العربي
تاریخ :
مطالب مرتبط با این پست
می توانید دیدگاه خود را بنویسید


نام
آدرس ایمیل
وب سایت/بلاگ
:) :( ;) :D
;)) :X :? :P
:* =(( :O };-
:B /:) =DD :S
-) :-(( :-| :-))
نظر خصوصی

 کد را وارد نمایید:

آپلود عکس دلخواه: